Tuesday, June 29, 2010

مشاوير


كنت صغيرا. أنت كبير. أراك عملاقا. ما صدقت أن أحدا يفوقك طولا. تحملني فأنظر إلى الأسفل لأجد الأرض بعيدة. تلقي بي في الهواء فأطير وتدغدغني بطني فأضحك.

أنتظرك أمام عتبة باب البيت. تأتي من عملك منهكا يغرقك العرق تفتح الباب و أقفز عليك، بالحب تحملني و تقبلني و أتأفف من شعر لحيتك النابت "إنت بتشوّك" فتفرك وجهك بخدي مازحا.
تعلق بذهني رائحتك أنت وحدك. تلتصق بثيابك و تشتد حينما تدخل البيت أحبك أن تحملني لكني لا أحب الرائحة، ودوما بصمتٍ تساءلت عنها.

تستحم ثم تتناول غداءك سريعا بينما تبدل أمي ملابسي. تمسك بيدي الصغيرة الناعمة فتبتلعها أصابعك الضخمة الخشنة "صوابعك زي السجق" تمد بسبابتك لي "كٌلها". تحكم قبضتك على يدي وتستعد للعب لعبتى المفضلة، تنظر لليمين ولليسار ونجري عابرين الطريق فيطيّر الهواء شعري.

تشتري لي الآيس كريم ونذهب للحديقة عند المراجيح و ألعب طول الوقت وأنت مبتسم.

نعود إلى البيت، نقف أمام مرآة المغسلة تثني ركبتك ثم ترفع ساقك كلها.. أجلس على فخذك فهذا هو كرسي الأسنان.. تفتح الصنبور تضع المعجون على الفرشاة التي يلتصق "بطوط" بطرفها، تقربها من أسناني و تفرشيها.

تحملني إلى سريري و تنام بجانبى لتحكي لي حكاية المارد والأقزام... أنام

صرتُ طويلا. السفرة تغطيها الأوراق والملفات و الصور. أفيق من نومي فأجدك منذ أذان الفجر مستيقظا تنظر في أوراق جامعتي و ترتبها ترتيبا زمنيا، تنظر إلى: "النهاردة نقدم أوراق الجامعة". أرتدي ثيابي و أذهب معك. نجري من مكتب إلى مكتب ومن موظف إلى موظف وورقة تضيع منهم فمعك نسخة إضافية، يرسلوننا لشراء دمغة، فتخرج من ملفك دمغات. "تعالوا بعد عشر تيام". نذهب لقد قبلوني في كلية أحلامي..أفرح وتطير من السعادة "أنا عازمك على فلفلة".
نخرج من فلفلة إلى محل العصير. نشرب. الجو حار و تتسلل رائحتك إلى أنفي كل حين. لا تضايقني لكني أتساءل.

توقظني مبكرا..إنه اليوم الأول تذكرني بالطريق و تنبهني إلى أرقام الأوتوبيسات ووجهات الميكروباصات "أوعى تطلع الكوبري..خش من جنبه يمين" - "يا بابا أنا عارف"
أرحلُ..تقرأ سورة ياسين وتنصرف إلى أعمالك.

"بابا أنا كبير، أنا مستقل" ـ "حسنا يا بني، هذا ما أريد"
أعمل.. سعيد بعملي رغم جنيي الملاليم، عملي شاق و بسببه أتنقل من مكان إلى آخر و الشمس تلسع رأسي لكني أحبه... أمر بجانب فلفلة آكل ما يأكله أبي.. أذهب لمحل العصير وأشرب التمرهندي الذي يحبه أبي ثم أقفز في ميكروباص و أتجه حيثما أنبغي أن أكون.

كبرت

في طريقي يوما إلى البيت بعد نهار ممتد و مشاوير عدة، نسمت الريح ودخلت بين أكمامي فشممت رائحة أبي..فيّ

أشتمّها الآن دوما لا في أبي بل فيّ

و ما عدت أتساءل عنها