Thursday, April 24, 2014

دورة حياة المتحرش

كنت في مشوار إلى مجمع التحرير ذات يوم، وأنا على الرصيف الملتصق بالمبني لمحت موتوسيكل مركون وفوقه طفل لم يتعدى السنوات الأربع، نظر إلى بابتسامة وَلهان ووضع يده وراء أذنه وحرك حاجيه وراح يغني ويغازلني. ضحكت من منظره ومن المفاجأة وسرت في طريقي وأنا أفكر في ذلك الكتكوت الذي يدرك ماهية المرأة وفنون معاكستها في الشارع.كنت في تاكسي في مشوار طويل وراح السائق الخمسيني يتحدث عن فن زمان وأغاني زمان: عبد الوهاب وأم كلثوم ونجاة، قلت في نفسي أن هذا ذوقه عالٍ، حتى التفت إلي ليحدثني عن حفيده ذي العامين مفخرة الجد والعائلة. حفيدي يوسف واد شاطر ونبيه، ولا يمكن أزعله – قال لي، ولم أرد سوى بمباركته على حفيده وبدعوتين نمطتيتين له، استني هكلمهولك – رد علي، ثم أخرج تليفونه واتصل به وقال له "يا يوسف معي مزّة في العربية" ولم أجد وقتًا لأستوعب كلمته حتى سلمني التليفون وقال له "خد يا حبيبي كلم المزّة."حكيت هذه القصة لزميلة لي وأخبرتني أن طفلًا في العاشرة تحرش بها مرة في محطة مترو الأنفاق، وأكدت الكثيرات لي أن مثل هذه المواقف "عادي وبتتكرر كتير،" وتنبهت لشيء في تربية الأهل للصبيان وهو طبيعة علاقتهم بالبنات.لا أبني كلامي على إحصاءات لكن لابد أن صادفك من عائلتك أو ممن حولك من يأتي بابنه ويقول له "عاكس البنت دي يا حبيبي" فيغازل الصبي الفتاة ذات الرابعة عشر التي تضحك على حلاوة وطعامة الوَلا، فيكرر الأهل النداء ويكرر الطفل المعاكسة حتى يكبر ويطور المعاكسة إلى لفظ ولمس فلا يجد من تضحك له فيغضب ويتوجه للعنف لأنها لا ترد بضحك وسهوَكة كما كانت عندما كان صغيرًا.تربى الصغير على أذية من في الشارع فيشب على جريمة التحرش بمن في الشارع ويستغرب عندما يثور الشارع بمن فيه ويطالب بعدم السكوت عن التحرش، يستغرب لماذا لا يسكتون عن الجريمة.


زينة أبو جامع

Thursday, January 02, 2014

ميس جيهان

وقفت في الفصل الأحمر أثناء امتحان اللغة العربية. وقفت أبكي بحرقة وميس جيهان توبخني بألفاظ لا أذكر منها إلا كلمة "غشاشة". وتلك كانت أول مرة أسمع فيها هذه الكلمة. ولأني كنت في كي جي تو فلم أعرف كيف استنبط معناها. 
كنت طفلة حساسة جدا, وكانت دمعتي قريبة جدا من رمشي. فبكيت لأتفه الأسباب. لكن صراخ ميس جيهان لم يكن سببا تافها.
أنا إلى الآن لا أعرف ما اقترفته حتى توقفني وتصرخ فيّ وسط زملائي الذين أبقي على صداقة أغلبهم حتى يومنا هذا. أذكر أني منذ صغري اتخذت مواسم الامتحانات بجدية مبالغ فيها. أذكر أن أمي كانت تتطلب من معلميّ أن يبقوا لي نسخة نظيفة من الشيت وتصورها لي فوق العشر نسخ لأحلها مرارا وتكرارا حتى تثبت المعلومة في رأسي. أذكر أن اجتهدت كثيرا في دراستي, على الأقل أيام المدرسة. وأذكر أني لم أغش في ذلك الامتحان المشئوم! 
كم أود الآن لو أني أخبرت أمي بما حدث. لم أخبرها لأني تعلمت في مدارسنا الموقرة أن المعلم دائما على حق. وأن أنظر إلى الأرض أثناء حديثي مع الميس أو المستر. لم أخبرها لأني خفت من العقاب لجريمة لم أرتكبها بل لم أفهم حتى معناها. لم أخبر أمي وبكيت خفيا لإحساسي بالخجل.
الآن أشعر بالخجل من نفسي لأني لم أتحلى بالقوة لأتكلم لأستفهم عما فعلته أو لأخبر أمي لربما هي استفهمت عني.
وأشعر اليوم بالخجل لأني إلى الآن لم أخبر أمي.
لم أنسى الحكاية وذكرتها طوال سنين المدرسة التي درستني فيها ميس جيهان مرة ومرتين أخروين. ولم أفلح أبدا في المواد التي درستنا إياها.


زينة أبو جامع