Friday, February 06, 2015

بتوقيت القاهرة...رواية أثرت فيّ

القاهرة مدينة كبيرة، تذيب كل من يعيش فيها، والأعمى فقط هو من لا يرى حجمها الكبير الذي يسع أي من البشر وكل البشر أنا لم أكن بصيرة رغم إدراكي حجم المدينة ورغم اقتناعي بوجود عالم موازي للحياة اليومية الروتينية ولقمة العيش النظيفة. 
رواية "بتوقيت القاهرة" هي فضفضة عن هذا العالم الموازي، لكنه ليس عالم العشوائيات الذي عرضته لنا أفلام خالد يوسف ولا عالم البلطجية والسنج وإنما عن شباب مغترب من مدن وقري لاتبعد عن القاهرة سوى ساعتين بالسيارة، لكنها تبعد أزمنة وثقافات عن هذه الكبيرة.

يبدأ الكاتب حسام مصطفي إبراهيم روايته "بتوقيت القاهرة" ببطلها الشاب خريج كلية التربية التي لم تحدد له الرواية اسمًا بل تحدثه بضمير المخاطَب طوال الوقت. يبدأ يومه دون أخذ كفايته من النوم ليستهل يومًا أكثر إرهاقًا من سابقه، وهكذا يعيش حياته اليومية من إرهاق لإرهاق ومن قرف لقرف. ومثله مثل شباب المغتربين يحاول التأقلم مع المدينة الجديدة بمشاركة طعامه وأحيانًا فراشه مع زملائه طوعًا وكرهًا. وعلى مدار الرواية الشائقة جدًا رغم مسحة الحزن التي تسودها تنمو شخصية هذا الشاب لكن بعد أن تجلده الحياة جلدة معتبرة. ويصبح البطل أكثر نضجًا مع استغلاله لهدوئه وسط الجماعة الذي يصاحبه عادةً نظرة شاملة وعين ثاقبة تراقب ما حوله وتجمع التفاصيل حتي إن لم يعجبه ما يراه.
"لقد رباهم آباؤهم ليكونوا ضباطُا وأطباء وطيارين ومليونيرات، ولكنهم لم يصبحوا أيًّا من هذا، لقد أخفقوا، بعضهم سقط في القاع وابتلعته الظلمة، وبعضهم تشبث - بأطراف أصابعه - بحافة الطبقة الوسطى، فتجاوز الدنيا بالكاد لكنه لم يدرك العليا....ليشتري أشياء لا يحتاجها، ويربي أبناءه ليصبحوا ضباطًا وأطباء وطيارين ومليونيرات." - من الفصل الحادي والعشرين من الرواية.

أنا لستُ من محبي الروائيين الجدد، لأني لا أرى جديدًا في ما يقدمونه إلا أن حسام مصطفي عبر عن أفكار الرواية وشخصياتها وأحداثها باحترافية شديدة. فوجدتُ دموعي تسيل دون أن أشعر بشخصية الكاتب تستجديني لأبكي على مقاطع كُتب لها أن تكون "نكدية". ووجدت أنه ثار على بنية الرواية التقليدية التي اعتدت على قرائتها من مقدمة وذروة ونهاية وحبكة واختار أن يرتب فصوله حسب ترتيب أفكار البطل، ورغم هذا لم تنقطع خيوط الرواية ولم يترك بابًا مفتوحًا دون أن يغلقه.

الرواية هي صورة مصغرة لمعاناة فرد في مجتمعنا هذا، قد يكون أنت أو أنا أو أحدهم، يعاني من أجل لقمة العيش ومن أجل الحب ومن أجل تحقيق حلمه الذي ترك عمله المستقر في بلدته الصغيرة المسالمة وحضن أمه الدافيء ليحققه. وهذه المعاناة ليست بسيطة بالمرة بل هي مسببة للألم البدني والنفسي للبطل الذي يواجههما ببلادة وبرود سببته سنين من الوحدة ومن فقدان الأحبة.

الكتاب يستحق القراءة، فوجدت فيه الحقيقة كما أنه أزال الغمام عن عيني عن العالم الموازي الذي هو أقرب إليّ مما كنت أتخيل.

"بتوقيت القاهرة" - للكاتب حسام مصطفى إبراهيم عن دار دوِّن للنشر.

زينة أبو جامع